رفح الآن- وكالات
يشهد الموقف الأوروبي من الاحتلا..ل الإسرائيلي تحوّلًا تدريجيًا، إذ تتوالى الإشارات السياسية والشعبية التي تعكس تراجع الدعم غير المشروط الذي حظي به الاحتلا..ل لعقود، لا سيما في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتصاعد التوتر مع إيران.
وقف التجارة
في خطوة غير مسبوقة، أكد وزير خارجية إسبانيا، خوسيه مانويل ألباريس، أن مدريد ستطلب من الاتحاد الأوروبي حظر بيع الأسلحة لـ(إسرائيل) ومعاقبة الأفراد المناهضين لحل الدولتين، وذلك في ظل استمرار حر..ب الإبادة ضد قطاع غزة.
وقال ألباريس: “سأطلب من الاتحاد الأوروبي الموافقة على التعليق الفوري لاتفاقية التجارة مع إسرائيل”، مضيفًا: “سأدعو وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اليوم إلى قول ‘لا للحرب، ونعم للدبلوماسية’.”
وفي السياق ذاته، طالبت أكثر من 110 منظمات حقوقية ونقابية، بينها “هيومن رايتس ووتش”، الاتحاد الأوروبي بتعليق اتفاقية التجارة مع (إسرائيل) فورًا، احتجاجًا على تصاعد الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين ورفض تل أبيب الانصياع لأوامر محكمة العدل الدولية. واعتبرت منظمات حقوقية هذه المطالب اختبارًا حاسمًا لمصداقية الاتحاد الأوروبي في دعم القانون الدولي.
ووفقًا لبيان مشترك نشرته “هيومن رايتس ووتش”، دعت المنظمات إلى تعليق الركيزة التجارية لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي و(إسرائيل)، انطلاقًا من المادة الثانية من الاتفاقية التي تنص على ضرورة احترام حقوق الإنسان كعنصر أساسي في العلاقة الثنائية.
وفي تطور ذي دلالة، أظهرت رسالة اطّلعت عليها “رويترز” أن تسع دول أوروبية دعت المفوضية الأوروبية إلى تقديم مقترحات لوقف التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد وُقعت الرسالة من وزراء خارجية كل من: بلجيكا، فنلندا، أيرلندا، لوكسمبورغ، بولندا، البرتغال، سلوفينيا، إسبانيا، والسويد.
ويُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، إذ يمثل نحو ثلث إجمالي تجارتها من البضائع. فقد بلغت قيمة التبادل التجاري بين الطرفين 42.6 مليار يورو (نحو 49 مليار دولار) في العام الماضي، رغم عدم وضوح النسبة التي تخص المستوطنات ضمن هذه التجارة.
وقال وزير الخارجية البلجيكي، ماكسيم بريفو: “على أوروبا أن تضمن توافق سياستها التجارية مع القانون الدولي”، مضيفًا: “لا يمكن فصل التجارة عن مسؤولياتنا القانونية والأخلاقية”.
وفي تطور نوعي، أصبحت أيرلندا الشهر الماضي أول دولة أوروبية تتخذ خطوات تشريعية لحظر التجارة مع الشركات الإسرائيلية العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون يهدف إلى منع استيراد السلع والخدمات من المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، والتي تُعدّ غير قانونية بموجب القانون الدولي.
مظاهرات داعمة وتحوّل شعبي
وفي سياق ردود الفعل الأوروبية المناهضة للاحتلال، شهدت عدة عواصم، من بينها برلين، لندن، باريس، وأمستردام، تظاهرات حاشدة شارك فيها الآلاف، مطالبين بوقف الدعم العسكري والاقتصادي للاحتلال وفرض عقوبات رادعة.
ففي برلين، احتشد أكثر من 10 آلاف متظاهر، بحسب الشرطة، وكانوا يهتفون: “ألمانيا تموّل، إسرائيل تقصف!”.
أما في العاصمة السويسرية برن، فقدّر منظمو التظاهرة أمام البرلمان الوطني عدد المشاركين بنحو 20 ألف شخص طالبوا الحكومة بدعم وقف إطلاق النار.
وأظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة “يوجوف” في 3 يونيو 2025 أن التأييد الشعبي لإسرائيل في أوروبا الغربية بلغ أدنى مستوياته. فقد أشار إلى أن معدل التأييد لإسرائيل كان سلبيًا على النحو الآتي: ألمانيا (-44)، فرنسا (-48)، الدنمارك (-54)، إيطاليا (-52)، إسبانيا (-55)، بريطانيا (-46).
وقد بيّن الاستطلاع أن ما بين (13%-21%) فقط من المشاركين لديهم نظرة إيجابية تجاه إسرائيل، مقابل (63%-70%) يحملون آراءً سلبية. كما رأى 29% من الإيطاليين، و40% من الألمان، و38% من البريطانيين أن إسرائيل كانت محقّة في دخول غزة، لكنها بالغت في رد الفعل مما أدى إلى سقوط مدنيين. بينما قال 12% في ألمانيا، و24% في إيطاليا، و15% في بريطانيا إنه لم يكن ينبغي لإسرائيل دخول القطاع أصلًا.
وتُعد هذه التحولات مؤشرات واضحة على بداية تآكل الإجماع الأوروبي التقليدي الداعم للاحتلا..ل، وبروز تيار جديد يسعى إلى إعادة صياغة العلاقة مع إسرائيل على أسس القانونالدولي وحقوق الإنسان.
ورغم أن التحوّل الأوروبي لا يزال بطيئًا نسبيًا، إلا أنه يحمل في طياته دلالات استراتيجية مهمة، وقد يُفضي إلى مزيد من الضغط السياسي والاقتصادي على الاحتلا..ل، لا سيما في ظل اتساع رقعة التضامن الشعبي واستمرار المجازر في قطاع غزة.