رفح الآن- وكالات
قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنّ الأخير التقى رئيس المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد في القدس المحتلة، اليوم الثلاثاء، وأضاف المكتب في بيان نقلته “رويترز” أنهما “ناقشا خلال اللقاء دفع خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة قدماً، والعلاقات بين إسرائيل ومصر، وتعزيز السلام بينهما”.
وقال مصدر مصري مطلع على المفاوضات ، إنّ زيارة رشاد في هذا التوقيت تأتي بالتوافق مع واشنطن، إذ يزور نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إسرائيل حالياً، ويوجد كل المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، في إطار تكثيف الضغوط على إسرائيل في ظلّ خروقات مرتبطة بالاتفاق الذي وقعت عليه كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا كضامنين.
وبحسب المصدر المصري، كان مقرراً أن ترسل إسرائيل وفدها التفاوضي الرسمي إلى مصر لبدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، في ظلّ التزام وفد حركة حماس المفاوض بالموعد المقرّر، ووجوده في العاصمة المصرية برئاسة خليل الحية. وأوضح المصدر المصري لـ”العربي الجديد” أنّ رشاد سيبحث أيضاً في تل أبيب ضرورة التزام الجانب الإسرائيلي بفتح معبر رفح كما كان متفقاً عليه، إذ علقت الحكومة الإسرائيلية تلك الخطوة لأجل غير مسمى بالمخالفة لما جرى خلال الاتفاق. ووفقاً للمصدر فإنّ هناك حالة من الاستياء من جانب الوسطاء في ظل رفض نتنياهو بدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قبل تسلم جثامين الأسرى الإسرائيليين كافّة لدى حماس.
وقال المصدر إنّ الوسطاء في مصر وقطر قدموا تعهدات والتزامات واضحة للحكومة الإسرائيلية باستكمال تسليم كل الجثامين وتهيئة الأوضاع الميدانية وتزويد الحركة بالمعدات اللازمة من أجل سرعة انتشال الجثامين المتبقية. وتعد زيارة رشاد هي الأولى المعلنة لمسؤول مصري رسمي منذ بدء حرب الإبادة على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي خضمّ التطورات الميدانية والدبلوماسية المتسارعة، واللقاءات بين مسؤولين أميركيين وإسرائيليين ومصريين أمس واليوم في تل أبيب، يبدو أن ما يُعرف بـ”اتفاق شرم الشيخ” يستعدّ لدخول مرحلة حاسمة. وعلى الصعيد الدبلوماسي، جاءت زيارة الوفد الأميركي إلى إسرائيل في توقيتٍ دقيق، وذلك بعد يومٍ من مقتل جنديين إسرائيليّين، ما يشكّل “امتحاناً عمليّاً” للهدنة. ووفق تصريحات لكوشنر، فإن الرسالة التي تُوجَّه إلى إسرائيل واضحة: “إذا أردتم الاندماج مع الشرق الأوسط الأوسع، فعليكم أن تساعدوا الفلسطينيين على الازدهار”.
في السياق، يبدو أن الوساطة الأميركية، بحسب خبراء، تسعى ليس إلى تثبيت التهدئة فحسب، بل إلى الدفع نحو المرحلة الثانية من الاتفاق التي تشمل إعادة إعمار غزة وترتيبات أمنية مستقبلية، أما بالنسبة لمصر، فمسؤوليتها وسط هذه المعادلة أصبحت أكثر تعقيداً. فالقاهرة تراقب بقلق أن يتحول الاتفاق إلى “هدنة على الورق” بينما تظلّ التبعات الأمنية والإنسانية تلقي بثقلها على سيناء والحدود الجنوبية، فمصر التي كانت من أبرز الضامنين للاتفاق تجد نفسها أمام تحدٍّ مزدوج: توقّع تنفيذ فعلي للاتفاق، أو مواجهة تداعيات أوسع في حال عجز طرف ما عن الالتزام.
من ناحيته قال السفير محمد حجازي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، في تصريحات خاصة لـ”العربي الجديد”، إن وجود ترامب في سدة الحكم وتبنّيه الشخصي للخطة التي تحمل اسمه، يُعدّ “الضمان الرئيسي لصمود اتفاق شرم الشيخ” رغم الخروقات الإسرائيلية المتكررة وغياب آليات تنفيذ ملزمة حتى الآن. وأوضح حجازي أن هذه الآليات “ستتبلور خلال المرحلة الثانية من الاتفاق”، وهي المرحلة التي ستركز على تثبيت حكومة التكنوقراط الفلسطينية، وبدء عمل الشرطة الفلسطينية التي جرى تدريبها في مصر والأردن، إلى جانب إطلاق آلية سلام جديدة تضم عدداً من القادة والزعماء والمسؤولين الإقليميين والدوليين، تتولى الإشراف على تنفيذ بنود الاتفاق، كما أشار إلى أن هذه المرحلة ستشهد نشر قوة دولية لحفظ السلام بقرار مُلزم من مجلس الأمن، لضمان تنفيذ الاتفاق واستمراره.
وأضاف أن القوة المزمع تشكيلها ستضمّ عناصر أميركية ودولية وعربية، وستتحرك في المناطق المحاذية لقطاع غزة بهدف الفصل بين القوات الإسرائيلية والفلسطينية وتأمين الأوضاع داخل القطاع، بما يمهّد لانطلاق مرحلة إعادة الإعمار، وأكد أن إطلاق الاتفاق لم يكن مساراً سهلاً، إذ “أقدمت واشنطن على إعلان الخطة رغم إدراكها للحاجة إلى مزيد من الضمانات، لكنّها اعتبرت أن وقف إطلاق النار وإنقاذ الأرواح أولوية، وأن الاتفاق سيكون مرجعية أساسية رغم أي فروقات لاحقة”.
وأوضح حجازي أن مصر تعمل حالياً على ضمان صدور قرار مجلس الأمن الخاص بنشر القوات الدولية، إلى جانب بقية الترتيبات التنفيذية للاتفاق، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والأطراف الأوروبية، مؤكداً أن القاهرة “تضع نصب أعينها أن أي ترتيبات تخص القطاع يجب أن تقود في النهاية إلى حل سياسي عادل يحقق الأمن الإقليمي ويعيد التوازن إلى المنطقة”.
ولكن في المقابل، قال السفير معصوم مرزوق، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، في تصريحات خاصة لـ”العربي الجديد”، إن ما يُعرف بـ”خطة ترامب” التي أُعيد إحياؤها مؤخراً على خلفية التطورات في غزة، وثيقة مليئة بالثقوب أكثر مما تحتوي على مضمون حقيقي، واصفاً إياها بأنها “قماشة مهلهلة” لا تصلح لتفصيل ثوب سياسي متماسك. وأضاف الدبلوماسي المصري أن مهمة الدبلوماسية العربية اليوم لا تتجاوز محاولة ترقيع هذه القطعة الممزقة بما يُخفي عورات ما وصفه بـ”دبلوماسية التسليم في مواجهة سلام القوة”.
ورأى مرزوق أن الأطراف العربية تتعامل بحسن نية نسبي، مشيراً إلى أن ما يبدو واضحاً هو أن “الكيان الصهيوني تعرّض لهزيمة استراتيجية في معركة غزة، وأن زيارة بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن كانت محاولة لطلب العون من الشريك الأميركي الأكبر”، وأضاف أن كلمة ترامب أمام الكنيست “كشفت أن خطته ليست سوى صياغة إسرائيلية خالصة، وضعها نتنياهو بمساعدة صهاينة البيت الأبيض مثل جاريد كوشنر وستيف ويتكوف”.
وعن أهداف الأطراف المختلفة، قال مرزوق إن إسرائيل تسعى إلى مواصلة سياستها التوسعية بابتلاع الضفة الغربية في إطار “السلام الإبراهيمي” الذي يمنحها غطاءً شرعياً، فيما تسعى الولايات المتحدة إلى تقليص الأعباء المالية التي تتحملها لدعم إسرائيل، مع الحفاظ على تدفق البترودولار واستمرار الهيمنة الإقليمية. أما المواقف العربية، فأوضح مرزوق أنها متباينة، إذ “يغني كل طرف على ليلاه”، فهناك من يريد التخلص من حركة حماس سواء بالحرب أو بالسلام، وهناك من يحاول حماية ما تبقّى من الأمن القومي العربي، بينما “يكتفي آخرون بورقة توت دبلوماسية يخفون بها عجزهم، ويعالجون بها ضميرهم في وجه احتجاج عالمي متزايد”.